الثلاثاء، 14 يوليو 2009

خنيفرة : القمع لا يرهبنا والموت لا يفنينا وقافلة النضال تشق طريقها بإصرار

ظلت القافلة الوطنية ، تشق عباب الطريق منذ انطلاقتها عند الساعة السابعة والنصف صباحاً ، من أمام المقر المركزي للاتحاد المغربي للشغل بالرباط ، حيث كان مقرراً سلفاً ، ان يلتقي مختلف المشاركين بالرحلة التضامنية ، المنظمة بمبادرة من الجمعية المغربية لحقوق الانسان تضامنا مع مدير جريدة المشعل ورئيس فرعها بمدينة خنيفرة ، و التي اختاروا شعاراً لها " كل التضامن مع ضحايا الطغيان بمنطقة خنيفرة: حتى لا يتحول الطاغية إلى ضحية وفاضح الظلم إلى مجرم". و بعد قرابة الاربع ساعات برّا ، سكت محرك الحافلة بمدينة بوفكران الصغيرة ، التي لا تبعد غير كيلومترات زهيدة عن مدينة الحاجب ، مفسحاً المجال للمشاركين من ممثلي الهيئات الوطنية ومختلف مناضلي ومناضلات النسيج الجمعوي والحقوقي ، لأخد قسط من الراحة ، لاسيما وان موعد القافلة بعز الصيف تزامن مع يوم قيظ شديد ، كان يزداد حدةً وبطشاً ، كلما توغلت القافلة أكثر بجبال الاطلس التليدة والعتيدة.

خنيفرة : عروسٌ في ثوب الحداد
" حيث أشجار البلوط .. والشتاء الحزين .. والنسيان الذي يمارسه النظام والبشر .. حيث الموت والخوف .. وجبال الأطلس السامقة ؛ كل ذاك الخليط المفزع ..يُحيلنا على مدينة ًفي قلب الجبل ، وعلى هامش وطن ، تُدعى خنيفرة "
كلمات عميقة لقديس أطلسي ، ظل صداها يتردد عالياً بين جنباتها ، حتى أيقظ أهل هذا الوطن ، الذين هبوا هبة رجلٌ واحد ، فاتحين ، منادين بالعدل ورفع الظلم عن البشرية ، انها عصا سحرية مست (( عروس الاطلس)) ليتحول فجأة خمولها الى حركة وحياة دبتا فيها ، دبيب روح الاله بجسد الجنين .
كيلومترات قليلة قبل وصول القافلة التضامنية الى خنيفرة ، وطيلة مسير الحافلة بمنطقة " أيت مليد " ، أخد المناضل الحقوقي " ولحمان " والعارف بتاريخ المنطقة يشرح للمشاركين في رحلة نوستالجية عبر التاريخ ، كيف حاز الملك الحسن الثاني سبعون كيلومترا من اراضي هاته المنطقة ، ووضع لها سياجات شائكة منعت قاطنيها من استغلالها في رعي مواشيهم بل وحتى الاقتراب منها ، وكيف ظلت الابقار الملكية وحدها ولعقود طويلة ، صاحبة السيادة المطلقة بين دواب ومواشي الاطلس المتوسط .
لم يكن يوقف الجرد التاريخي للاستاذ " ولحمان " غير شعارات المشاركين التي كانت تعلوا كلما زاد ذهولهم من هول ما كانوا يسمعون ، و ايضا شهادات بعض ممن اكتووا بجمر قروسطية الاطلس بزمن ليس ببعيد ، كحال ما وقع بأحداث1972 و1973 حيث قامت "ثورة ضد العنف والاضطهاد والفساد" ، جاءت كرد فعل لمشاعر اليأس والاحباط التي كان يشعر بها المواطنون الذين فقدوا الامل بعد الاستقلال في حصول أي تغيير.- يحكي ولحمان -، وكيف أن "الثوار" اضطروا عقب هذه الاحداث الى الصعود الى الجبال حيث بقوا هناك بدون أكل ولا شراب، مشيرا الى أنه تم خلال هذه الفترة القاء القبض على المواطنين بالمنطقة بمن فيهم الشيوخ والنساء والاطفال ، الذين تعرضوا خلال استنطاقهم لمختلف أنواع التعذيب لارغامهم على الإدلاء بمعلومات عن الأماكن التي كان يختبىء فيها "الثوار".
ادخلوا خنيفرة ان شاء الله آمنين



أمتار قليلة اصبحت تفصل القافلة عن معانقة العروس المتشحة بالسواد ، كان مدخل خنيفرة يبدو اشبه بفوهة بركان متأهب للانفجار بأية لحظة ، وظل مواطنو هاته المدينة الذين لوحظ تفاعلهم مع القافلة، وهي تفتض صمت المكان بمنبهات السيارات ، يلوحون لها بشارات النصر طيلة مسيرها ، وابتسامات حزينة تعلو محياهم . وقد بدى الشارع الرئيسي للمدينة اقرب ما يكون لشوارع كركوك العراقية ، بعد قصفها من قبل قوات التحالف الغاشم .
عند تمام الساعة الثانية عشر والنصف زولاً ، تحط القافلة رحالها أخيرا بقلب المدينة حيث كان في انتظارها عددٌ من مناضلي ومناضلات المنطقة ، الذين تجمهروا حاملين لافتات الترحيب ، التي اختلطت بشكل غريب بلافتات تحمل شعارات الغضب والتنديد ، في مشهد أشبه بفرح صغير بصيغة الحزن .


و قد هتف الجميع بصوت واحد " الكرامة والحرية ، لا مخزن لا رعية " ، و " تحية خالدة ، لخنيفرة الصامدة " و غيرهما من الشعارت الكثيرة التي علت بها حناجر المحتجينن ، الذين تقدمهم مدير جريدة المشعل ادريس شحتان ، الى جانب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الانسان خديجة الرياضي ، ونائبها عبدالحميد أمين ، وعضو المكتب المركزي سميرة كناني و آخرون.

كلمات الوفود المشاركة

ثمانية عشر هيئة تناولت الكلمة تباعاً ، من بينها جميعات حقوقية ، وبعض ممثلي تنظيمات اليسار الجذري ، و كدا مديرو بعض الجرائد الكترونية (جريدة المناضل-ة) ، و ممثل عن اصحاب رسالة الى التاريخ ، جمعية المعطلين ، المنتدى المغربي للحقيقة والانصاف ، و تجمع المدونين المغاربة ، ..وغيرهم من الهيئات الوطنية والتنظيمات الاخرى التي اجمعت جميعها على ادانة التعسفات التي تتعرض لها المنطقة ، كما عبروا عن تضامنهم مع مدير جريدة المشعل ورئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الانسان ، ونددوا بالبطش الممارس ضد ساكنة المنطقة من طرف مجموعة من العائلات المتنفذة بالمدينة والتي تعتبر نفسها فوق القانون.

شهادات مؤثرة لضحايا عائلة امحزون ، و " غنيمة" إمرأةٌ أبكت القلوب قبل العيون
- محمد ، قروي امازيغي : سلبوا مني سبعا وعشرين نعجةً وخروف ، اللهم إن هذا منكر
- عبد الكبير غنجة من قرية الهري متابع من طرف محمد ولد أمهرو عضو جمعية الدفاع عن عائلة امحزون : المتابعة في حقي هي من طرف كائن اسطوري تم تجريده من كافة حقوق المواطنة.
- ايت الحسن أوسعيد : سلبو اراضينا طيلة 46 سنة ، يئسنا من الحكومات المتعاقبة..والقضاة الذين يتابعون الملف يصمون آذانهم عن مطالبنا.

- حليمة غنيمة : هجرت خنيفرة هرباً من بطش عائلة امحزون ، بعدما عذبوني


- المحامية لطيفة الصابري : حفصة امحزون اعتدت علي ، و الندبة التي بوجهي ستبقى علامة شاهدة على ظلم وطغيان هاته العائلة ..
  • محمد، امازيغي من عمق الاطلس : جلس بالمنصة الشرفية بكل ثقة وعنفوان ، شيخ سبعيني رسمت التجاعيد على وجهه حكاية شقاء وقسوة زمن ، سرد تفاصيل معاناته بلغته الامازيغية ، وابى بذلك الا ان يؤكد مدى تجذره وارتباطه الوثيق بمسقط راسه ومهد اجداده ، لم يكن يأبه محمد لكل تلك الكائنات السياسية التي اكتظت بها قاعة احدى المؤسسات العمومية بخنيفرة ، بقدر ما كان همه الوحيد سرد معاناته ، علّهُ يجد عزاءً بين كل تلك الاعناق التي اشرأبت لسماع قصته ، وظل بين كل فينة واخرى يردد سلبوا مني سبعا وعشرين نعجة وخروفاً..اللهم إن هذا منكر
  • عبد الكبير غنجة شاب بعشرينيات عمره : كتلة من المشاعر المتوقدة ، تقدم للادلاء بشهادته و حماسة الشباب تعلو محياه ، فكانت اولى كلماته عباراتٌ ترحيبية لم تخلُ من سخرية و سخط " تحية للرفاق والرفيقات الذين تحملو عناء السفر والحفر التي تؤتث طرق هاته الايالة ، رغم انهم أصمّو أذاننا بالتنمية ، فإننا نعيش في كنف تنمية الفقر وتنمية الجهل وتنمية الاستبداد و تنمية الملاحقات والمتابعات ، واستئصال الالسنة وتكسير الاضلع، تحية للجمعية المغربية لحقوق الانسان التي اسقطت عروش هاته الآلهات المصنوعة من جلودنا ومن ثرواتنا " ، هكدا كان الترحيب على طريقة عبدالكبير ، قبل أن يبدا في سرد تفاصيل معاناته مع المتابعة القضائية التي رفعها ضده محمد ولد أمهرو عضو جمعية الدفاع عن عائلة أمحزون ، على إثر مقال كتبه سنة 2006 ، عنونه بـ " يا شرفاء هذه الارض اتحدوا " عبّر فيه عن موقفه من الانتخابات ، وكتب أن لا جدوى منها وانها تؤدي فقط الى شرعنة دولة الاستبداد ، ثم اضاف ان ايام الاستعمار كانت الافضل مقارنة بالوضع الحالي ، فكان أن رفع المدعو أمهرو دعوى قضائية ضده فيما اعتبره قدفا وسبا بحقه ، لاسيما وان احد افراد هاته العائلة كان قد طلب في وقت سابق من غنجة الترشح للانتخابات دعما للمرشحة حليمة عسالي ، وهو الامر الذي رفضه تماما فتمت متابعته بتهم السب والقدف ، التحريض على العنصرية ، والاشادة بالاستعمار ، وحدد 24 شهر 9 موعدا لاولى الجلسات. يقول عبد الكبير مصرحا ً ومنهياً لشهادته : " أمهرو كائن اسطوري من مواليد 1919 ، هويته بالجريدة الرسمية عدد 2091 بتاريخ 22 غشت 1958 حيث ورد اسمه ضمن الافراد الذين اتبثت لجنة البحث الملكية عدم اهليتهم الوطنية وحكمت عليهم بالتجريد من كافة حقوق المواطنة لمدة 15 سنة ،ومصادرة جميع املاكهم التي اكتسبوها بالاستيلاء على ثروات المقاومين الذين تحصنوا بالجبال(..)
  • أيت الحسن اوسعيد : يحكي السيد الحسن أنه حين وقع هجوم بمدافع فرنسا على سكان تمدارت و تم هدم بيوتهم سنة 1930، انسحب لازاغار الى تنزاورت ، وبعد عودة سيدي محمد بن يوسف من المنفى ، اتصل بعائلة امحزون ولامهم على دعمهم لحكومة بن عرفة ، واخبرهم ان هناك متابعات من طرف القبائل التي سلبوا منها اراضيها باسم المستعمر ، وطلب منهم الالتزام بارجاعها الى اصحابها ، التزم امحزون حمو حسن ممثل المخزن ، والتزم حماد اولحاج امحزون ممثل ايت موسى -يروي ايت الحسن اوسعيد - وفي عام 63 قام صاحب الجلالة الحسن الثاني بايفاد لجنة ملكية ، التئمت بايفران لترتيب حضورها الى دار العيدي بخنيفرة بغرض الاشراف على اتفاق التصالح واعادة كل شخص الى ارضه ، لكن تم تأجيل ذلك مدة سنتين -يُكمل ايت الحسن -، وبقينا ننتظر الى غاية سنة 65 ، لتعود اللجنة الملكية من جديد ، وبدا تنفيذ الاحكام ذات جمعة في اولاد امهروق ، على اساس ان تخصص الجمعة التي بعدها لاولاد الباشا ، غير ان مولاي احمد هرب وتخلف عن الحضور و بقي مولاي هاشم يراوغ الملف مدة سنين الى يومنا هدا ، والان السكان الذين كانو يرافقون امحزون وزعوا بلادنا "ايت موسى" التي كانت في ملكية قبيلة تضم 700 نسمة ، و اصبح اليوم ومنذ 46 سنة ، يستغلها ويستفيد من خيراتها عشرون شخص فقط ، ولا زلت متشبثا بحقي منذ 20 سنة ، -يُضيف اوسعيد بمرارة - وسأستمر في ذلك رغم يأسي من الحكومات المتعاقبة بسبب لامبالاتها ، والقضاة المكلفون بالنظر في الملف ماديون ، ولذلك يصمون اذانهم عن مطالبنا ، والآن بعد 18 جلسة امام المحكمة الابتدائية ، لا زال القضاء لم يحسم في قضيتي رغم ان هناك قرارا ملكيا بالصلح ولا مجال للاجتهاد القضائي ، الذي يابى الا ان يرفض اعتبار وثيقة الصلح الملكية كوثيقة يُعتد بها .
  • حليمة غنيمة : لم تتمالك حليمة نفسها وهي تروي تفاصيل ما تعرضت اليه من تعذيب وتنكيل على يد حفصة امحزون ، وزوجها السرويتي ، فأجهشت ببكاء حار ، حرارة ذاك الماء المغلي الذي صبوه على جسدها قبل اثنا عشرة سنة مضت ، هي نفس المدة التي قضتها في منفاها القسري بمدينة اكادير ، بعيدة عن مدينتها الام و هرباً من بطش عائلة امحزون ، الذين عذبوها بصب الماء الساخن عليها وادخال الزجاج بدبرها وجهازها التناسلي ،- تروي غنيمة بحسرة وألم ، وأنينُ بكاء- ، أنينٌ لم يوقفه غير تعالي صيحات الحاضرين الذين ادمعت عيونهم ، وصاحت حناجرهم " مجرمون..مجرمون..عائلة امحزون ".

المناضل امدياز الحاج تاثر ايضا لقصة غنيمة ، فأهداها قصيدة شعرية من وحي اللحظة ، تضامنا مع قضيتها :

" غنيمة

غنيمة تحية لك

ولكل من أنطقك

وفك عقدة لسانك وأخرجك

من صمتك

(..)

قولي بصريح العبارة

عقدا من الزمان

لم أقوى على الكلام

لقد فقدت أنوثتي

لقد شوهوا جهازي التناسلي

بل لقد احرقوا فرجي

وأعدموا رحمي

وطردت من عالم النساء

وسئمت الحياة

وهاجرت بلدتي

حتي لا يعرف الكل قصتي

(...) "

  • المحامية لطيفة الصابري : بدت المحامية الشابة ، التي تناولت الصحف الوطنية سيرتها فيما عُرف لاحقا بقضية اعتداء خالة الملك على محامية بهيئة مكناس ، - بدت - بمعنويات مرتفعة وهي تدلي بشهادتها والتي لم تكن غير نفس تلك التصريحات التي تناقلتها الصحف على لسانها بعد الاعتداء عليها من طرف حفصة امحزون وبناتها ، وقالت المحامية وهي تروي تفاصيل ما وقع " إن الندبة التي على وجهي ستظل علامة شاهدة على ظلم وطغيان عائلة امحزون ".

خنيفرة هبة أم الربيع

وكما أن مصر تتميز بالنيل ، والعراق بدجلة ، وسوريا بنهر العاصي..فإن المغرب..وان خنيفرة بالذات ، يتميزان بنهر ام الربيع ، الدي ينبع من اعالي جبال الاطلس ، ويسير نحو ازمور حيث مصبه بالمحيط الاطلسي ، متحدياً كل المسالك الوعرة ، وهازئا بالسدود التي اقيمت عليه ، والتي بلغ عددها 11 سداً تم تشييدها في اطار سياسة السدود التي اتبعها الراحل الحسن الثاني - رحمه الله - ، ولعل هذا هو السر الذي جعل منظموا القافلة الوطنية يعمدون عبور قنطرة توجد وسط المدينة و من تحتها ام الربيع ينساب مزهوا بشموخ ، قبل ان يصلو الى الساحة التي كان مقرراً ان تحتضن الوقفة الاحتجاجية الختامية التي تميزت برفع اعلام تمازغا من طرف بعض الحركات الامازيغية المشاركة ، و تخللتها مجموعة من الشعارات المناهضة للظلم والحكرة ولعائلة امحزون ، وانتهت بتلاوة خديجة رياضي لبيان الجمعية المغربية لحقوق الانسان.

تغطية ، متابعة ، تصوير و تحرير / تقي الدين تاجي من خنيفرة

هناك 3 تعليقات:

مريم التيجي يقول...

شكرا لتغطيتك التي جعلتني أتمنى لو كنت معكم في أحضان الأطلس ذلك اليوم

غير معرف يقول...

توضيح :
عنتار شارك في القافلة ليس بصفته الشخصية ، بل ككاتب عام لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بابي الجعد .

مع تحياتي للرفيق تقي الدين تاجي

حميد عنتار

غير معرف يقول...

salam takydine je suis vraiment fiere de toi mon cousin. J'espere que tout va bien chez toi...mes salutatios pour toi et pour toute ta famille..... brahim DEKKAN (seville)