ظلت القافلة الوطنية ، تشق عباب الطريق منذ انطلاقتها عند الساعة السابعة والنصف صباحاً ، من أمام المقر المركزي للاتحاد المغربي للشغل بالرباط ، حيث كان مقرراً سلفاً ، ان يلتقي مختلف المشاركين بالرحلة التضامنية ، المنظمة بمبادرة من الجمعية المغربية لحقوق الانسان تضامنا مع مدير جريدة المشعل ورئيس فرعها بمدينة خنيفرة ، و التي اختاروا شعاراً لها " كل التضامن مع ضحايا الطغيان بمنطقة خنيفرة: حتى لا يتحول الطاغية إلى ضحية وفاضح الظلم إلى مجرم". و بعد قرابة الاربع ساعات برّا ، سكت محرك الحافلة بمدينة بوفكران الصغيرة ، التي لا تبعد غير كيلومترات زهيدة عن مدينة الحاجب ، مفسحاً المجال للمشاركين من ممثلي الهيئات الوطنية ومختلف مناضلي ومناضلات النسيج الجمعوي والحقوقي ، لأخد قسط من الراحة ، لاسيما وان موعد القافلة بعز الصيف تزامن مع يوم قيظ شديد ، كان يزداد حدةً وبطشاً ، كلما توغلت القافلة أكثر بجبال الاطلس التليدة والعتيدة.
خنيفرة : عروسٌ في ثوب الحداد
" حيث أشجار البلوط .. والشتاء الحزين .. والنسيان الذي يمارسه النظام والبشر .. حيث الموت والخوف .. وجبال الأطلس السامقة ؛ كل ذاك الخليط المفزع ..يُحيلنا على مدينة ًفي قلب الجبل ، وعلى هامش وطن ، تُدعى خنيفرة "
كلمات عميقة لقديس أطلسي ، ظل صداها يتردد عالياً بين جنباتها ، حتى أيقظ أهل هذا الوطن ، الذين هبوا هبة رجلٌ واحد ، فاتحين ، منادين بالعدل ورفع الظلم عن البشرية ، انها عصا سحرية مست (( عروس الاطلس)) ليتحول فجأة خمولها الى حركة وحياة دبتا فيها ، دبيب روح الاله بجسد الجنين .
كيلومترات قليلة قبل وصول القافلة التضامنية الى خنيفرة ، وطيلة مسير الحافلة بمنطقة " أيت مليد " ، أخد المناضل الحقوقي " ولحمان " والعارف بتاريخ المنطقة يشرح للمشاركين في رحلة نوستالجية عبر التاريخ ، كيف حاز الملك الحسن الثاني سبعون كيلومترا من اراضي هاته المنطقة ، ووضع لها سياجات شائكة منعت قاطنيها من استغلالها في رعي مواشيهم بل وحتى الاقتراب منها ، وكيف ظلت الابقار الملكية وحدها ولعقود طويلة ، صاحبة السيادة المطلقة بين دواب ومواشي الاطلس المتوسط .
لم يكن يوقف الجرد التاريخي للاستاذ " ولحمان " غير شعارات المشاركين التي كانت تعلوا كلما زاد ذهولهم من هول ما كانوا يسمعون ، و ايضا شهادات بعض ممن اكتووا بجمر قروسطية الاطلس بزمن ليس ببعيد ، كحال ما وقع بأحداث1972 و1973 حيث قامت "ثورة ضد العنف والاضطهاد والفساد" ، جاءت كرد فعل لمشاعر اليأس والاحباط التي كان يشعر بها المواطنون الذين فقدوا الامل بعد الاستقلال في حصول أي تغيير.- يحكي ولحمان -، وكيف أن "الثوار" اضطروا عقب هذه الاحداث الى الصعود الى الجبال حيث بقوا هناك بدون أكل ولا شراب، مشيرا الى أنه تم خلال هذه الفترة القاء القبض على المواطنين بالمنطقة بمن فيهم الشيوخ والنساء والاطفال ، الذين تعرضوا خلال استنطاقهم لمختلف أنواع التعذيب لارغامهم على الإدلاء بمعلومات عن الأماكن التي كان يختبىء فيها "الثوار".
ادخلوا خنيفرة ان شاء الله آمنين
أمتار قليلة اصبحت تفصل القافلة عن معانقة العروس المتشحة بالسواد ، كان مدخل خنيفرة يبدو اشبه بفوهة بركان متأهب للانفجار بأية لحظة ، وظل مواطنو هاته المدينة الذين لوحظ تفاعلهم مع القافلة، وهي تفتض صمت المكان بمنبهات السيارات ، يلوحون لها بشارات النصر طيلة مسيرها ، وابتسامات حزينة تعلو محياهم . وقد بدى الشارع الرئيسي للمدينة اقرب ما يكون لشوارع كركوك العراقية ، بعد قصفها من قبل قوات التحالف الغاشم .
عند تمام الساعة الثانية عشر والنصف زولاً ، تحط القافلة رحالها أخيرا بقلب المدينة حيث كان في انتظارها عددٌ من مناضلي ومناضلات المنطقة ، الذين تجمهروا حاملين لافتات الترحيب ، التي اختلطت بشكل غريب بلافتات تحمل شعارات الغضب والتنديد ، في مشهد أشبه بفرح صغير بصيغة الحزن .
و قد هتف الجميع بصوت واحد " الكرامة والحرية ، لا مخزن لا رعية " ، و " تحية خالدة ، لخنيفرة الصامدة " و غيرهما من الشعارت الكثيرة التي علت بها حناجر المحتجينن ، الذين تقدمهم مدير جريدة المشعل ادريس شحتان ، الى جانب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الانسان خديجة الرياضي ، ونائبها عبدالحميد أمين ، وعضو المكتب المركزي سميرة كناني و آخرون.
كلمات الوفود المشاركة
ثمانية عشر هيئة تناولت الكلمة تباعاً ، من بينها جميعات حقوقية ، وبعض ممثلي تنظيمات اليسار الجذري ، و كدا مديرو بعض الجرائد الكترونية (جريدة المناضل-ة) ، و ممثل عن اصحاب رسالة الى التاريخ ، جمعية المعطلين ، المنتدى المغربي للحقيقة والانصاف ، و تجمع المدونين المغاربة ، ..وغيرهم من الهيئات الوطنية والتنظيمات الاخرى التي اجمعت جميعها على ادانة التعسفات التي تتعرض لها المنطقة ، كما عبروا عن تضامنهم مع مدير جريدة المشعل ورئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الانسان ، ونددوا بالبطش الممارس ضد ساكنة المنطقة من طرف مجموعة من العائلات المتنفذة بالمدينة والتي تعتبر نفسها فوق القانون.
شهادات مؤثرة لضحايا عائلة امحزون ، و " غنيمة" إمرأةٌ أبكت القلوب قبل العيون
- محمد ، قروي امازيغي : سلبوا مني سبعا وعشرين نعجةً وخروف ، اللهم إن هذا منكر
- عبد الكبير غنجة من قرية الهري متابع من طرف محمد ولد أمهرو عضو جمعية الدفاع عن عائلة امحزون : المتابعة في حقي هي من طرف كائن اسطوري تم تجريده من كافة حقوق المواطنة.
- ايت الحسن أوسعيد : سلبو اراضينا طيلة 46 سنة ، يئسنا من الحكومات المتعاقبة..والقضاة الذين يتابعون الملف يصمون آذانهم عن مطالبنا.
- حليمة غنيمة : هجرت خنيفرة هرباً من بطش عائلة امحزون ، بعدما عذبوني
- المحامية لطيفة الصابري : حفصة امحزون اعتدت علي ، و الندبة التي بوجهي ستبقى علامة شاهدة على ظلم وطغيان هاته العائلة ..
المناضل امدياز الحاج تاثر ايضا لقصة غنيمة ، فأهداها قصيدة شعرية من وحي اللحظة ، تضامنا مع قضيتها :
" غنيمة
غنيمة تحية لك
ولكل من أنطقك
وفك عقدة لسانك وأخرجك
من صمتك
(..)
قولي بصريح العبارة
عقدا من الزمان
لم أقوى على الكلام
لقد فقدت أنوثتي
لقد شوهوا جهازي التناسلي
بل لقد احرقوا فرجي
وأعدموا رحمي
وطردت من عالم النساء
وسئمت الحياة
وهاجرت بلدتي
حتي لا يعرف الكل قصتي
(...) "
خنيفرة هبة أم الربيع
وكما أن مصر تتميز بالنيل ، والعراق بدجلة ، وسوريا بنهر العاصي..فإن المغرب..وان خنيفرة بالذات ، يتميزان بنهر ام الربيع ، الدي ينبع من اعالي جبال الاطلس ، ويسير نحو ازمور حيث مصبه بالمحيط الاطلسي ، متحدياً كل المسالك الوعرة ، وهازئا بالسدود التي اقيمت عليه ، والتي بلغ عددها 11 سداً تم تشييدها في اطار سياسة السدود التي اتبعها الراحل الحسن الثاني - رحمه الله - ، ولعل هذا هو السر الذي جعل منظموا القافلة الوطنية يعمدون عبور قنطرة توجد وسط المدينة و من تحتها ام الربيع ينساب مزهوا بشموخ ، قبل ان يصلو الى الساحة التي كان مقرراً ان تحتضن الوقفة الاحتجاجية الختامية التي تميزت برفع اعلام تمازغا من طرف بعض الحركات الامازيغية المشاركة ، و تخللتها مجموعة من الشعارات المناهضة للظلم والحكرة ولعائلة امحزون ، وانتهت بتلاوة خديجة رياضي لبيان الجمعية المغربية لحقوق الانسان.
تغطية ، متابعة ، تصوير و تحرير / تقي الدين تاجي من خنيفرة